الرئيسية >>   جلسات رمضان ١٤٤٠ هـ >> الجلسـة الرابعة : القدس أمانة في أعناق المسلمين.

الجلسـة الرابعة : القدس أمانة في أعناق المسلمين.

للقدس مكانة جليلة في نفوس المسلمين عبر العصور، فقد ارتبطت في تاريخ الإسلام بحدث الإسراء والمعراج، وارتبطت بفتحها على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد نقلت مصادر غير المسلمين التاريخية تفاصيل العهدة العمرية وصورة العيش المشترك واحترام المقدسات التي عبر عنها خليفة المسلمين، ويكفي مثالا على ذلك ما أورده الطبيب المؤرخ النصراني بطريرك الإسكندرية أُوتِيخْيُوسْ سعيد بن البطريق المتوفى سنة 329ه موافق 940م في كتابه "نظم الجوهر" أو (التاريخ المجموع)Alexandrini Anali (المجلد الثاني ص:285ـ 290، طبعة 1658م)، وما أورده المؤرخ القبطي المصري، جورجيوس ابن العميد أبو إلياس بن أبي المكارم بن أبي الطيب المعروف بالمكين المتوفى سنة 672هـ موافق 1273م في كتابه: "تاريخ المسلمين من صاحب شريعة الإسلام أبي القاسم محمد إلى الدولة الأتابيكية" الذي اعتنى المستشرق الهولندي إربينيوس بنشر نصه العربي مرفوقا بترجمة لاتينية بليدن سنة 1625م، حيث قال بعد أن أورد مقتطفا من نص كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل إيلياء قال:

"فلما دخل المدينة جلس في وسط صحن كنيسة القيامة، فلما حان وقت الصلاة قال عمر رضي الله عنه أريد أصلي، قال البطريرك: يا أمير المؤمنين صل موضعك. قال: لا. وخرج خارج الكنيسة وصلى على باب الدرجة على باب الكنيسة وحده، ثم جلس وقال للبطريرك: إن صليتُ داخل الكنيسة كان المسلمون يأخذونها بعدي ويقولون: هنا صلى عمر. وكتب لهم خطا أن لا يصلي أحد المسلمين على الدرجة إلا واحدا واحدا، ولا يجمع فيها الصلاة ولا يؤذن عليها. ثم قال عمر رضي الله عنه للبطريق عن الصخرة التي كلم الله يعقوب عليها، فلما جاء عمر إليها وجد ترابا كثيرا عليها فأخذ عمر من التراب في ثوبه فتنظفت للوقت، فأمر عمر أن يُبنى هنا المسجد في آخرها، ومضى إلى بيت لحم ودخل إلى كنيستها، وصلى عند الحينة التي ولد فيها السيد المسيح وكتب سجلا أن لا يصلى في هذا الموضع من المسلمين إلا رجلا بعد رجل ولا يجمع فيه صلاة ولا يؤذن فيه. وعاد إلى المدينة" (تاريخ المسلمين من صاحب شريعة الإسلام أبي القاسم محمد إلى الدولة الأتابيكية، ص 28ــ29). وقد استمرت نفس الصورة من العيش المشترك في القدس طيلة حكم المسلمين لها، إلى أن خضعت للاحتلال الصليبي، وعادت لتعيش أبهى أيامها على عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، واستمرت مدينة سلام تهوي إليها أفئدة المسيحيين والمسلمين واليهود إلى أن اجتاحت جرافات الصهاينة حارة المغاربة في العاشر من يوليو 1967، ليدشن عهد غريب على أرض المحشر والمنشر، فيطال التهويد مدينة بيت المقدس وأكنافها، ويقع التنكيل بأهلها تحت أعين العالم، تُهدم بيوتهم، ويُمنعون من الصلاة في أقصاهم، ويُضَيَّق على شبيبتهم، لكن القدس تأبى الخضوع كما في تاريخها الطويل، وتبقى أمانة في أعناق المسلمين.

عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت": يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه" (مسند أحمد/ حديث 26343).

في ضوء السياق أعلاه تعقد هذه الجلسة المباركة من برنامج وآمنهم من خوف، آملين توصيف الوضع الحالي في القدس والأقصى، وما يتعين على المسلمين، وكيف تبقى قضية القدس والأقصى حية في نفوس الشباب المسلم.