الرئيسية >>   جلسات رمضان ١٤٤٠ هـ >> الجلسـة الخامسة : دور اللغة العربية في تحقيق وحدة المسلمين.

الجلسـة الخامسة : دور اللغة العربية في تحقيق وحدة المسلمين.

تُصَنَّفُ اللُّغَةُ العربيةُ بِأَنَّهَا اللغةُ الرابعةُ بين اللغاتِ اَلْعَشْرِ اَلْأَكْثرَ اِسْتِعْمَالًا في العالمِ بَعْدَ الصينيةِ والاسبانيةِ والانجليزيةِ، وهي لغةُ القرآنِ الذي يَتَعَبَّدُ بِهِ مِلْيَارٌ وَخَمْسُمِائَةِ مَلْيُونَ مُسْلِمٍ عَبْرَ اَلْعَالَمِ اَلْمَعْمُورِ. وَقَدْ اِستَطَاعَتِ العربيةُ أَنْ تَحْمِلَ حَضَارَةَ الإسلامِ إلى العالمينَ في عُصُورِ ازدهارٍ امتدت قرونًا عديدةً، كَمَا اسْتَطَاعَتْ أن تَسْنُدَ كثيرًا مِنْ لُغَاتِ العالمِ سَوَاءُ لُغَاتِ الشعوبِ الإسلاميةِ كالفارسيةِ والتركيةِ والإندونيسيةِ ولغةِ المالايُو والأمازيغيةِ أو غيرها كالإسبانيةِ والعبريةِ والإنجليزية...

فِي وَقْتٍ قِيَاسِيذٍ اِسْتَطَاعَتِ اللغةُ العربيةُ أَنْ تُصْبِحَ لُغَةً غَالِبَةً Lingua Franca بِفَضْلِ الإسلامِ الذي حَمَلَهَا مِنْ شِبْهِ الجزيرةِ العربيةِ إِلَى اَلْأُفُقِ اَلْوَاسِعِ في اَلْقَارَّاتِ البعيدةِ، كَمَا اِسْتَطَاعَتْ أَنْ تُصْبِحَ لُغَةَ العلومِ والإدارةِ والتجارةِ، بَعْدَ أَنْ شَرَّفَهَا اللهُ تَعَالَى بَأَنْ أَنْزَلَ بِهَا كِتَابَهُ لِلْعَالَمِينَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْر ذِي عِوَجٍ، وَاِجْتَهَدَ النَّاطِقُونَ بِهَا فيِ تَقْعِيدِهَا فَصَارَتْ آلَةً ضَرُورِيَةً لِعُلُومٍ شَرْعِيَةٍ شَرِيفَة. وَهُوَ مَا جَعَلَ مِنْهَا لُغَةً جَامِعَةً ثَقِفَتْهَا شُعُوبٌ وَقَبَائِلَ، فَتَبَنَّتْهَا لُغَةً جَارِيَةً أَوْ بِازْدِوَاجٍ مَعَ أَلْسِنَتَهَا اَلخَاصَّة.

غَيْرَ أَنَّ اللغةَ العربيةَ عَرَفَ تْ بَعْدَ عُهُودٍ مَدِيدَةٍ مِنَ الازْدِهَارِ والإِشْعَاعِ اِنْحِصَارًا في بِلَادِهَا بَعْدَ أَنْ خَضَعَتْ أَغْلَبُ أَقَالِيِم اَلْعَالَمِ الإسلاميِّ للاستعمارِ الغربيِّ، وَجَرَتِ اَلْعُجْمَةُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَبْنَائِهَا حَتَّى صَارَ بَعْضُهُمْ لاَ يَانَسُ أَسْبَابَ حَضَارَةِ وَلَا تَقَدُّمٍ عِلْمِيٍّ أَوْ تِكْنُولُوجِيٍّ إِلاَّ بِلُغَةِ الغالبِ.

لَكنْ شاءَ الله لَهَا أَنْ تَكُونَ لغةَ صحوةٍ وشُهُودِ، فَاسْتَمَرَّتْ تُقَاوِمُ اَلْعُجْمَةَ، وَتَتَدَافَعَ مَعَ غَيْرِهَا، وَلَوْلَا كَوْنُهَا لُغَةُ كِتَابِ مُبِينٍ لَاِنْدَرَسَتْ مَعَالِمُهَا وَخَفَتَتْ أَسْرَارُهَا، وَتَمَامًا كَمَا وَصَفَ شَاعِرُ اَلْكِـنَانَةِ حافظ إبراهيم، ظَلَّتْ تُقَاوِمُ وَتُعْرِبُ عَنْ مَكْنُونِهَا:

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ** وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ

فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصْفِ آلة ** وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ

أنا البحرُ في أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ ** فهل سَأَلُوا اَلغَوَّاصَ عن صَدَفَاتِي

اليوم نُحَاوِلُ في هذه الجلسة، الوقوفَ عَلَى دَوْرِهَا في تحقيقِ وحدةِ المسلمينَ، وَنُحَاوِلُ تَوْصِيفَ حَالِهَا وَوَضْعِهَا في بلاد المسلمينَ، وَنَسْتَشْرِفَ أَجْوِبَةً شَافِيَةً مرُكًّزَةً من السادة العلماء لذلك.