في مرافعته أمام النجاشي ملك الحبشة، أعدل ملوك الأرض، صور جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حال المسلمين بعد أن تشبعوا بقيم الإسلام قائلا:
"أَيُّهَا الْمَلِكُ, كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ, نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ, وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ, وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ, وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ, ونسيء الْجِوَارَ, يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ, فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ, حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا, نَعْرِفُ نَسَبَهُ, وَصِدْقَهُ, وَأَمَانَتَهُ, وَعَفَافَهُ, فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ, وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ, وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ, وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ, وَصِلَةِ الرَّحِمِ, وَحُسْنِ الْجِوَارِ, وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاء"
كان هذا حال المسلمين زمن الشدة، لكنهم نجحوا بفضل تعاليم الإسلام السمحة في إنشاء منظومة من القيم السامية في التسامح وحسن المعاملة والتعارف مع الشعوب والقبائل والأمم، فضمت دولة الإسلام أطيافا متنوعة من الأعراق والأديان والألسن، وطورت قوانين وأعرافا لصيانة ذلك التنوع، ورسخت أعرافا إيجابية في العيش المشترك وحفظ العهود، والرفق بأهل الأديان من غير المسلمين ممن عاشوا بينهم ورعاية حقوقهم.
وفي ظل بروز بعض أفكار العصبية الجاهلية والتطرف في بعض المجتمعات الإسلامية أصبح من المتوجب الرجوع إلى إرث التعايش التاريخي الذي حدث بين مكونات المجتمع الإسلامي والانطلاق منه لتعزيز قيم التسامح والعيش المشترك وتوطيد العلاقات المجتمعية.
وتركز هذه الجلسة على توضيح المحاور التالية:
•واقع العلاقات المجتمعية والعيش المشترك في دول العالم الإسلامي
•نماذج من العيش المشترك بين مكونات شعوب العالم الإسلامي
•التنوع الديني والاثني في العالم الإسلامي وطبيعة الدولة الحديثة
•موروثات الشعوب الإسلامية في العيش المشترك وسبل استثمارها في تجاوز المشاكل الحالية التي يعيشها العالم الإسلامي.