مِنْ عَوَامِلِ اَلضَّعْفِ الذي اِسْتَشْرَى في كِيَانِ الأمةِ الإسلاميةِ، قُصُورُ دَوْرِ اَلْعُلَمَاءِ وَاِنْحِصَارُ أَثَرِهِمْ في المجتمعاتِ المسلمةِ، وَتَرَاجُعُ المؤسساتِ اَلْعِلْمِيَةِ اَلْعَتِيدَةِ عَنِ اَلدَّوْرِ اَلَّذِي اِضْطَلَعَتْ بِهِ لِقرون طَوِيلَةٍ مَاضِيَةٍ؛ فَقَدْ ضَعُفَ دَوْرُ تِلْكَ المؤسساتِ ، وَتَرَتَّبَ عَن ذَلِكَ أنْ فَقَدَ لَفْظُ "اَلْعَالِمِ بِالشَّرِيعَةِ" بَرِيقَهُ وَاِسْتَحْكَمَتْ عَمَلِيَّةُ اَلتَّغْرِيبِ فِي بلاد المسلمين، وتَحَوَّلَ فَهْمُ "اختلاف المذاهب الفقهية والمعتقدية" من اختلافٍ في أَسَالِيبِ اَلنَّظَرِ اَلْفِقْهِي في نُصُوصِ اَلشَّرْعِ إِلَى مُسْتَنَدٍ لِلاِخْتِلاَفِ اَلسِّيَاسِيِّ.
لَقَدْ تَعَدَّدَتْ مُؤَسَّسَاتُ اَلْعُلَمَاءِ بِتَعَدُّدِ اَلْكِيَانَاتِ اَلسِّيَاسِيَةِ، وَصَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ مَرْجِعِيَّاتٌ مُتَعَدِّدَةُ وَوَلاَءَاتٌ مُتَعَارِضَةٌ يَبْلُغُ حَدُّ اَلتَّدَافُعِ فِيمَا بَيْنَهَا إِلَى دَرَجَةِ اَلصِّرَاعِ أَحْيَانًا، وِاِسْتَعْصَى عَلَى الأمةِ الإسلاميةِ تحقيقُ وَحْدَةٍ جَامِعَةٍ يَنْتَظِمُ دَاخِلَهَا أَمْرُ المسلمينَ فَيَتَكَامَلُونَ على جَمِيعِ الاصْعِدَةِ، وَيُحَقِّقُونَ أَمْنَهُمُ اَلثَّقَافِي اَلشَّامِل.
وَقَد عَرَفَتِ اَلْبِلاَدُ اَلإِسْلَامِيَةُ خِلَالَ اَلعِشْرِينَ سَنَةً الأَخِيرَةَ قِيَامَ مُؤَسَّسَاتٍ نَحَتْ إِلَى اِسْتِرْجَاعِ دَوْرِ اَلْعُلَمَاءِ في اَلْعَالَمِ اَلْإِسْلَامِيِّ، وَإِلَى تَدَارُكِ اَلْفَجْوَةِ اَلْحَاصِلَةِ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَوَاقِعِ عَصْرِهِمْ. وَمِمَّا يُحْسَبُ لِهَذِهِ المؤسسات الجديدة تَجَاوُزُهَا لِمُؤَسَّسَاتِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمَحَلِّيَةِ اَلْعَامِلَةِ دَاخِلَ حُدُودٍ سِيَاسِيَةٍ مَسْطُورَةٍ، وتَمَكُّنِهَا مِنْ إِقْنَاعِ اَلْمُسْلِمِينَ بِوُجُوبِ فَتْحِ بَابِ الاجْتِهَادِ لِلْجَوَابِ عَلَى اَلنَّوَازِلِ اَلطَّارِئَةِ اَلَّتِي أَفْرَزَهَا اَلْعَصْرُ. وَسَاعَدَتِ اَلطَّفْرَةُ اَلْحَاصِلَةُ فِي مَجَالَيْ الإِعْلاَمِ وَالتَّوَاصُلِ هَذِهِ اَلْمؤَسَّسَاتِ في نَشْرِ أَفْكَارِهَا وَرُؤَاهَا بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ. لَكِنَّ تَسَارُعَ الأَحْدَاثِ، وَتَناِمِي اَلنِّزَاعَاتِ في بِلاَدِ اَلْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ بَعْضَ اَلْعُلَمَاءِ المنتمين إِلَيْهَا في قَلْبِ أَتُونِ اَلصِّرَاعَاتِ اَلسِّيَاسِيَةِ مِمَّا أَفْقَدَهَا مَوْقِعَهَا اَلطَّبِيعِيَّ كَـمُؤَسَّسَاتٍ تَحْكِيمِيَةٍ يَؤُولُ إِلَيْهَا المسلمونَ لأخْذِ الرأي وَالْمَشُورَةِ اَلشَّرْعِيَةِ، وَيَسْتَرْشِدُونَ بِها لِتَبَيُّنِ مَا بِهِ يَتَلَافَوْنَ اَلنِّزَاعَ وَالاِقْتِتَالَ.
وستروم هذه الحلقة مقاربة المحاور التالية:
أولا: وَضْعُ مُؤَسَّسَاتِ اَلْعُلَمَاءِ في اَلْوَقْتِ اَلرَّاهِنِ
ثانيا: مَوْقِفُ العلماءِ مِنْ صِرَاعِ اَلْمَرْجِعِيَّاتِ اَلدِّينِيَةِ الدائر في اَلْعَالَمِ الإسلاميِّ
ثالثا: مَنِ اَلْعَالِم؟ وَمَنِ اَلْفَقِيه؟ في ظل اختلاط المفاهيم
رابعا: العلماء ودعاوى مراجعة الموروثات الفقهية
خامسا: العلماء ودعاوى تجديد الخطاب الديني
سادسا: العلماء وواقع الاجتهاد وحال الإفتاء
سابعا: دور العلماء في تَصْحِيحِ اَلصُّورَةِ الَّتِي بَاتَتْ مَرْسُومَةً عَنِ الإِسْلاَمِ في أَذْهَانِ اَلْغَرْبِيِّينَ.
ثامنا: العلماء وتحري الوسطية في زمن الفتن
تاسعا: دور علماء المسلمين في تأكيد تجريم "ازدراء الأديان"