يُعَدُّ سؤال الهوية وشباب المسلمين من القضايا الكبرى التي ينبغي أن تستأثر باهتمام أهل النظر المسلمين، إن الهوية هي مطابقة المجتمع لذاته، وتميزه عن غيره بما لديه من مقومات ثقافية وخصائص حضارية خاصة به يتفرد بها عن سواه. أما الهوية الإسلامية فتقوم على أساس العقيدة واللغة والتراث والتاريخ، ويقصد بها الإيمان بعقيدة هذه الأمة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، وإبراز الشعائر الإسلامية، والاعتزاز والتمسك بها، والشعور بالتميز والاستقلالية الفردية والجماعية، والقيام بحق الرسالة وواجب البلاغ، والشهادة على الناس.
وبناء على ذلك فإن الهوية الإسلامية تقوم على ثلاثة أركان رئيسة هي: العقيدة الإسلامية باعتبارها أهم ثوابت هوية المسلم وشخصيته، والتاريخ باعتباره سجلاً حضارياً يعكس الإرث الإسلامي المشرف في مختلف ميادين الحياة، والثقافة بمفهومها الشمولي من لغة وآداب وفنون ومنظومة قيم.
وقد استهدفت الهوية الإسلامية منذ الأيام الأولى لبعثة النبي عليه الصلاة والسلام، واستمرت عمليات التشويه في أسسها ومنطلقاتها حتى عصرنا الحديث، حيث يتعرض الشباب المسلم لجهود منظمة تهدف إلى تشويه هويته وسلخه عن إرثه الإسلامي الحضاري ومن ثم دمجه في نماذج غربية تمثل مصدر افتتان وانبهار عند هذه الشريحة المهمة من أبناء العالم الإسلامي، وذلك من خلال تحريف المفاهيم الدينية، كي تتفق مع الأفكار الفكرية التي تروجها العولمة المعاصرة، وإيجاد فئات وشرائح ومؤسسات في المجتمعين العربي والإسلامي تعمل كوكيل للثقافة الغربية عبر تقديم المساعدات المالية لها ودعم مشاريعها، إضافة إلى استهداف مناهج التربية والتعليم في العالم الإسلامي بهدف التأثير المباشر على النشء
وإذا نظرنا إلى واقع الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، وقفنا على مشكلات كثيرة نابعة من عدم وعي فئة عريضة من الشباب المسلم بهويتهم الحقيقية؛ إذ أن التفريط في إعدادهم تربويا وثقافيا وعلميا، تركهم عرضة للانبهار الشديد بثقافات أجنبية غريبة عنهم، وأدى إلى سقوطهم في متاهات التقليد الأعمى، الشيء الذي أحدث في نفسياتهم شعوراً بالدونية تجاه الآخر، ورسخ في نفوسهم أشكالاً من التبعية الثقافية والاستلاب الحضاري.
إن الاختلال الحاصل في توازن شباب الأمة في العالم الإسلامي يستدعي مراجعة عميقة ووقفة متأنية يتحمل فيها أولياء الأمور والآباء و المعلمون والعلماء مسؤولياتهم،
وتتناول هذه الحلقة مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بالهوية وسبل الاحتفاظ بمكتسباتها، وذلك من خلال تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول الهوية وارتباطها بالحضارة وعلاقاتها بالحضارات الأخرى، وتحرير المسائل المتعلقة بالعلاقة بين الهويات المتباينة في الإطار القومي، وآليات بناء الإنسان المتكامل المعتد بثقافته، وسبل تجديد الخطاب الثقافي الإسلامي لموائمة روح العصر، وتوظيف الأدوات التقنية والفنية المتاحة لتحقيق هذه الموائمة، وذلك من خلال البحث عما يلي:
أولا: رصد مظاهر عدم التشبث بالهوية
ثانيا: ضبط الأسباب الكامنة وراء التملص من الهوية الإسلامية في صفوف الشباب.
ثالثا: تحديد التحديات التي يواجهها الشباب والتي تفضي بهم إلى التخلي عن هويتهم.
رابعا: تحديد وسائل الحفاظ على هوية الشباب المسلم وصيانتها.
خامسا: آفاق هوية شباب المسلمين في ظل الأوضاع العالمية المعاصرة.
سادسا: حوكمة الهويات المستضافة في بلدان العالم الإسلامي
سابعا: شباب المسلمين في الغرب بين التخويف من الإسلام واضطراب الهوية