قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ سورة الحجرات، الآية13
ووفق هذه الآية وما تؤصله من مفاهيم تتعلق بالتعارف والمساواة والدعوة إلى اعتبار التنوع الإثني، نظر السلف الصالح إلى المجتمع المسلم المتنوع الممتد من طشقند شرقا إلى طنجة غربا ومن أبواب فيينا شمالا إلى جنوب الصحراء الإفريقية جنوبا. لقد احتضن هذا المجتمع المسلم الكبير أطيافا متنوعة من الأعراق والأديان والألسن، وطور قوانين وأعرافا لصيانة ذلك التنوع ليكون عامل بناء لا معول هدم أو مبعث صراع. وقد حملت كتب الفقه الإسلامي والتاريخ والأدب والسير نماذج دالة عن صور حفظ المسلمين للعهود، واحترامهم لمن خالفهم في الدين واختار العيش بين ظُهرانيهم.
اليوم بعد أن تداعت على الأمة الإسلامية أمم وأفكار، وتعدد النافخون في كير الفرقة والعرقية، وتنكر فريق من المسلمين من قليلي العلم لما أقره الأجداد في مجال العيش المشترك، صار من اللازم على العلماء تذكير المسلمين بإرث التعايش التاريخي الذي تحقق بين مكونات المجتمع الإسلامي والانطلاق منه لتعزيز قيم التسامح والعيش المشترك وتوطيد العلاقات المجتمعية، وفق ما أقره السلف الصالح رحمهم الله.
ومن بين النماذج العالية التي ينبغي شرحها للشباب المسلم المعاصر، وثيقة المدينة التي بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجب لكل فريق من مكونات مجتمع المدينة المتعدد من حقوق وما عليه من واجبات، ومن النصوص أيضا عهد عمر رضي الله عنه لأهل إيلياء. وقد ترددت معاني هاتين الوثيقتين في نصوص عهود عديدة أبرمهما المسلمون مع أهل البلاد التي شملها الفتح الإسلامي.
ونظرا لما للحديث عن العيش المشترك من أهمية في راهن الأمة الإسلامية، فقد خصصنا لها هذه الجلسة الحوارية الرمضانية من برنامج "وآمنهم من خوف" ونود خلالها مناقشة المحاور التالية:
•أسس العيش المشترك في الإسلام
•الدروس والعبر التي يمكن استنتاجها من وثيقة المدينة
•الدروس والعبر التي يمكن استنتاجها من عهد عمر لأهل إيلياء (بيت المدس).
•نماذج أخرى تعكس العيش المشترك بين مكونات شعوب العالم الإسلامي (دول البلقان، الباكستان، الهند، العالم العربي)
•واقع العلاقات المجتمعية والعيش المشترك في دول العالم الإسلامي الآن.
•موروث الشعوب الإسلامية في العيش المشترك وسبل استثماره في تجاوز المشاكل الحالية التي يعيشها العالم الإسلامي.