برنامج "وآمنهــم من خــوف" يناقش واقع شباب المسلمين وسؤال الهوية

الدوحة - قنا

وجه مفكرون وعلماء دعوة لدول العالم الإسلامي إلى إعادة النظر في النظم التربوية والتعليمية وإصلاح الإختلالات وبناء تلك المؤسسات بأسلوب يتفق مع الهوية ويواكب روح العصر باعتبارها المحاضن الأساسية لإعداد الشباب تربوياً وثقافياً وخط الدفاع لصيانة هويتهم وحمايتهم من التبعية الثقافية والإستلاب الحضاري .

جاء ذلك في الجلسة الثالثة والأخيرة من البرنامج الحواري الرمضاني " وآمنهم من خوف" الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في رحاب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب ويستضيف نخبة من العلماء والمفكرين والدعاة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لمناقشة مشكلات وقضايا تهم حاضر الأمة الإسلامية ومستقبل أمنها الثقافي الشامل.

وناقشت الجلسة الثالثة واقع شباب المسلمين وسؤال الهوية، والأسباب الكامنة وراء تملص الشباب المسلم من هويتهم الإسلامية، والتحديات التي يواجهونها على هذا الصعيد.

كما تطرقت الجلسة التي استضافت نخبة من المفكرين والعلماء لآفاق هوية شباب المسلمين في ظل الأوضاع العالمية المعاصرة ووسائل الحفاظ عليها .

وأوضح المتحدثون أن الهوية الإسلامية يقصد بها الإيمان بعقيدة الأمة والاعتزاز بالانتماء إليها واحترام قيمها الحضارية والثقافية وإبراز الشعائر الإسلامية والاعتزاز والتمسك بها والشعور بالتميز والاستقلالية الفردية والجماعية والقيام بحق الرسالة وواجب البلاغ والشهادة على الناس.

ورأى الدكتور راشد الغنوشي المفكر الإسلامي وزعيم تيار النهضة في تونس أن شباب المسلمين لا يعانون من أزمة هوية بل يعانون أزمة مفاهيم وأزمة " تأويل للإسلام" إلى جانب أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خلقت لدى الشباب مفارقة بين أمة وصفت بأنها خير أمة أخرجت للناس وواقع مؤسف متخلف متأزم على كافة المستويات.

وقال إن التوجه العام اليوم هو توجه نحو الإسلام لكن المشكلة تكمن في تأويل النصوص، تلك التأويلات تدفع بالشباب نحو معارك باطلة وغير مشروعة..داعيا علماء الأمة ومفكريها ومؤسساتها التعليمية والتربوية إلى القيام بدورهم في بيان الحق للناس وإعادة ثقة الشباب بأمتهم ورسالتهم ودينهم.

وطالب بإدارة الاختلاف بطرق حضارية تستند إلى المبادئ الديمقراطية لا إلى الصراع والاحتراب وتشويه صورة الإسلام الذي هو دين العدل والرحمة والسلام.

وحول التحدي الذي تواجهه اللغة العربية باعتبارها أحد مقومات الهوية نبه الدكتور راشد الغنوشي إلى الحاجة إلى إصلاحات واسعة في مجال التعليم واللغة ..مشيرا إلى أن أزمة اللغة هي جزء من أزمة الهوية.

ولفت إلى أن الجامعات في العالم العربي والإسلامي تعيش حالة من القلق وعدم الحسم فيما يتعلق باللغة ..وقال هناك ازدواج في اللغة في الجامعات العربية والإسلامية، بينما لا نجد ذلك في جامعات أخرى حول العالم تعتمد لغة شعوبها.

ونبه إلى أن مشكلة التعليم في العالم العربي والإسلامي ليست اللغة وحدها وإنما غياب المشروع عن الجامعات والمؤسسات التعليمية الكبرى.

وأضاف الغنوشي " هناك أزمة في التعليم نتيجة غياب المشروعات الكبرى التي تملأ طموح شباب الأمة وتدفعهم نحو بناء أمتهم ورقيها"، ورأى أن غياب المشروع في المؤسسات التعليمية في الوقت الراهن خلف فراغا لدى الشباب فاستقطبتهم مشروعات أخرى رمتهم في معارك باطلة .

ونادى الدكتور الغنوشي بإعادة الاعتبار لثقافة العمل والمبادرة والتأكيد على أن الشباب المسلم هم قوة التغيير في العالم، مبينا أن التغيير المقصود هو التغيير المستند إلى قيم الإسلام السمحة قيم السلام والرحمة والعدل والحرية والأمل لا القتل والاحتراب والظلم واليأس .

من جانبه أكد الدكتور نجاد غرابوس مفتي سلوفينيا أن مشكلة الهوية مشكلة كبرى وتحدي خطير يواجه المسلمين في العالم الإسلامي وشباب المسلمين في أوروبا خاصة.

وشدد على أهمية التركيز على التعليم والتربية من خلال بناء مؤسسات تعليمية عصرية ودعم المشيخات الإسلامية وتأهيل العلماء والدعاة الذين يخاطبون الشباب بلغة العصر وأدواته.

وتابع "ينبغي أن نفهم الشباب ونستمع إليهم قبل كل شيء ونحاول الوقوف على مشاكلهم ومتطلباتهم ونخاطبهم باللغة التي يفهمونها وبناء برامج تعليمية تربوية ثقافية دينية رياضية لاحتضان الشباب".

بدوره لفت الدكتور عبدالمجيد النجار الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أنه على الرغم من أن الخط العام لشباب اليوم هو العودة إلى الإسلام إلا أن هناك تحديات داخلية وخارجية تواجه الشباب وتحاول سلخ الكثير منهم عن هويتهم ودينهم.

وأوضح أن هناك غواية إعلامية تحاول قتل الهوية في نفوس الشباب وتشويه تاريخ أمتهم إلى جانب تخلف داخلي يجعل الشاب يربط هذا التخلف بالهوية.

وقال إن هذه الأسباب تعود في مجملها إلى نظريات فلسفية وإيديولوجية عادت تطل برأسها بعضها يؤمن أنه لا شيء ثابت فتحاول زعزعة العقائد وأخرى تدعو إلى وحدة الأديان..مؤكدا أن هذه الدعوات بحاجة إلى مواجهة شاملة عبر الأفراد والمؤسسات الفكرية والتعليمية والتربوية في عالمنا الإسلامي.

وأشار الدكتور ربيع الحافظ المفكر والكتاب المعروف إلى دور القوى الاستعمارية في القرن العشرين في تفكيك بنية الدول بالمنطقة وما ترتب على ذلك من اختلال العلاقة بين العلماء والدولة الرسمية مما قاد إلى الشطط والانحراف الذي نشهده في الوقت الراهن.

وعن واقع الشباب المسلم في أوروبا قال الدكتور النجار إن الخط العام هو التمسك بالهوية رغم التحديات والإجراءات التي قد تواجه هذا المسار.

وأكد أهمية المواجهة الرشيدة للتحديات التي تواجه هوية الشاب المسلم في أوروبا من خلال تقوية الثقة بالنفس وتعزيز التمسك بالقيم وتبني ثورة ثقافية تزرع في نفوس الشباب الطموح والآمال وربطهم بالأهداف الكبرى للأمة المسلمة وهي " الشهود الحضاري" و" المسؤولية عن الناس"..وقال " عندما تقوم مؤسساتنا التعليمية والتربوية بغرس هذه الأهداف الكبرى من المؤكد أن كل التحديات ستتضاءل ويسهل التغلب عليها".

وأضاف " لابد من ربط الهوية بالجانب العقدي والحضاري والمصلحي للأمة وتأكيد أنه لا يمكن بناء حضارة دون التمسك بالهوية".

وفي هذا السياق شدد الدكتور بيع حافظ على أهمية بث معنى الهوية في المجتمع عبر إحياء الجانب الاجتماعي الإسلامي الذي غيب كثيرا ..بينما شدد الدكتور غرابوس على أهمية توعية الشباب بوسطية الإسلام وإحياء هذه المعاني في نفوسهم وخاصة في العصر الراهن.

يشار إلى أن برنامج "وآمنهم من خوف" برنامج حواري يستضيف نخبة من العلماء والمفكرين والدعاة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لمناقشة مشكلات وقضايا تهم حاضر الأمة الإسلامية ومستقبل أمنها الثقافي الشامل.

وركز البرنامج في نسخته الثانية هذا العام على قضايا تتعلق بوعي المسلم بمفهوم "الزمن"، وموقفه من تحولات المفاهيم والأفكار في عصره وما يرتبط بها من إشكاليات تطال الهوية عند المسلمين وما يتعلق بها التخويف من الإسلام، إضافة إلى تقصي دور العلماء في تجديد الخطاب الديني ومراجعة الموروثات الفقهية، ودور مؤسساتهم في تعزيز السلم المجتمعي، والشباب وسؤال الهوية في الوقت الراهن.