عرَّفَ العلماءُ الفقهَ الإسلاميَّ بأنه اَلْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَةِ اَلْعَمَلِيَّةِ اَلْمُسْتَفَادُ وَالْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا اَلتَّفْصِيلِيَة. وقد اِسْتَمَدَّ الفقهُ الإسلاميُّ وُجُودَهُ بِصِفَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ مِنَ الشريعةِ الإسلاميةِ التي هي اَلْيَنْبُوعُ اَلرَّبَّانِيُّ الذي لاَ يَنْضَبُ أَبَدًا؛ وَهِيَ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ رسولُ اللهِ محمد صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِ الله تعالى، مِنْهَا مَا نَزَلَ لِبَيَانِ العقيدةِ، وَمِنْهَا مَا نَزَلَ لِإِتْمَامِ مَكَارِمِ الأخْلاَقِ وَمَا شُرِعَ لِتَدْبِيرِ أُمُورِ اَلْعِبَادِ في الدنيا وَإِصْلاَحِ اَلْمَعَايِشِ وَالمجتمعِ اَلْبَشَرِيِّ. وَقَدْ رَاكَمَ فقهاءُ الأمة تُرَاثًا فقهيا عَظِيمًا تَآلَفَ في أَبْوَابٍ وَاِخْتَلَفَ في أُخْرَى بِحَسَبِ المذاهِبِ وآليَاتِ اَلنَّظَرِ. وَعَبَّرَتْ اجتهاداتُ الفقهاءِ عَلَى اَلْآفَاقِ الواسعةِ التي تُتِيحُهَا الشريعةُ الإسلاميةُ لِتَطْوِيرِ المجتمع المسلم مَعَ اِعْتِبَارِ مَا جّدَّ في كُلِّ عَصْرٍ .
وَقَدْ شَاعَتْ منذ القرن السادس الهجري دَعْوَى غَلْقِ بَابِ الاجتهادِ، وَكاَنَ مِنْ أَسْبَابِهَا مَا شَاعَ مِنْ تَعَصُّبٍ لمذَاهِبِ الأئمةِ مِنْ جِهَةٍ، وَمَا لُوحِظَ مِنْ جُرْأَةِ اَلْبَعْضِ عَلَى الأحكامِ اَلشَّرْعِيَةِ. وَكَانَتِ اَلنَّتِيجَةُ أَنْ صَارَتِ الموروثاتُ الفقهيةُ عِنْدَ اَلْبَعضِ "شَرِيعَةً مُبَجَّلَةً" فَحَرَمُوا الأمة مِنْ مَعْرِفَةِ الاَحْكَامِ الشرعيةِ فِيمَا جَدَّ مِنْ أَحْدَاثٍ وَمَا طَرَأَ على عَصْرِهِمْ مِنْ نَوَازِلَ.
وَقَدْ أَتَى عَلَى الأمةِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ، تَوَسَّعَ فِيهِ اَلْخِلاَفُ بَيْنَ أَبْنَائِهَا لِعَوَامِلَ عَدِيدَة مَعْلُومَة، وَعَمَّتْ فِيهِ اَلْفَوْضَى مَجَالَ "الإفتاءِ" بَيْنَمَا اَلْمُسْلِمُونَ فِي حَاجَةِ أَشَدّ إِلَى اَلْفُتْيَا اَلرَّاشِدَة لِتَمَخُّضِ اَلزَّمَانِ عَنْ نَوَازِلَ لاَ عَهْدَ لِلسَّابِقِينَ بِهَا. كَمَا بَرَزَ في المجتمعِ المسلمِ مَنْ اِفْتَتَنَ بِتَتَبُّعِ اَلْخِلَافَاتِ اَلْفِقْهِيَةِ وَالاِسْتِدْلَالِ بِشَوَاذِّ الآراءِ فَعُطِّلَتِ اَلْأَحْكَامُ بِاسْمِ اَلْخِلَافِ فَكَسَلَ اَلْمُتَعَبِّدُونَ عَنِ اَلطَّاعَاتِ وَاِجْتَرَأُوا عَلَى اَلْمَكْرُوهَاتِ، بَيْنَمَا تَعَدَّدَتِ اَلْمَجَامِعُ اَلْفِقْهِيَةُ وَعَجَزَتْ عَنْ ضَبْطِ "بَابِ الاِجْتِهَادِ" واَلْحَدِّ مِنْ فَوْضَى الإِفْتَاءِ اَلَّتِي بَاتَتْ تُؤَرِّقُ اَلْعِبَاد.