عرفت بعض مجتمعات العالم الإسلامي خلال العشرية الأخيرة موجات حراك شعبي تعددت أسبابه واختلفت وسائله، وتوحدت شعاراته لتشمل العدالة والحرية والكرامة الاجتماعية.. وكلها مفاهيم أطرها الإخفاق في تحقيق التنمية المستدامة، والارتهان لسياسات المؤسسات المالية الدولية وسياسات القوى الاقتصادية الكبرى، وعكسها الإخفاق في خطط التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والتشغيل...
لقد أدى التهميش والإحساس المتزايد بالمظلومية ببعض شباب الأمة إلى أن يكون ضحية سائغة لداء التطرف والغلو، فانساق وراء مفاهيم مغلوطة أخرجها محرروها عن سياقاتها الفقهية الصحيحة لتخدم أجنداتهم وأجندات جهات أخرى معلومة ومجهولة داخلية وخارجية.
وفي خضم ذلك، انخرطت كثير من المرجعيات والمؤسسات الدينية في العالم الإسلامي في سِيَاقَاتِ تَدَافُعٍ لتوسيع خرائط نفوذها المذهبي، وسياقات صراع مفاهيمي نشأت عنه أحلاف وكيانات دينية، وسقط بعضها في أتون التحشيد السياسي، واجتهد في تحرير مفاهيم وإطلاق دعاوى صَادَمَ بَعْضُهَا آمَالَ التغيير والإصلاح إلى درجة التفريط في الثوابت والتمهيد لقبول الأمر الواقع في قضايا كانت تعتبر بالأمس القريب من "المقدسات" (القدس وفلسطين على سبيل المثال).
نفس السياق، شهد خططا وبرامج متنوعة لتجديد الخطاب الديني، أشرفت على بعضها مؤسسات مخولة بتسيير الشأن الديني الإسلامي في العالم الإسلامي، بينما صاغت المؤسسات الدينية غير الرسمية البعض الآخر، في إطار مراجعات لخطوطها الدعوية. وأنى كانت الحال، فإن تعدد تجارب تجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي، مع تباين تلك التجارب واختلاف مناهجها وبواعثها، تكشف -من بعض الوجوه-عن صراع مُحْتَدِمٍ بين المؤسسات الدينية الإسلامية حول المرجعية، وتُبْرِزُ الخلل الحاصل في تَـمَثُّلِ ثُنَائِيَةِ الدين والسياسة، والإخفاق الواقع في تصور تجديدٍ فِعْلِيٍّ وَفَعَّالٍ للخطاب الديني. تجديد يَعْتَبِرُ المُجدِّدَ والمُجَدَّدَ لَهُ والمُجَدَّدَ.
وهنا تكمن أهمية مقاربة موضوع "تجديد الخطاب الديني شروطه، مجالاته ومتطلباته" في هذه الجلسة الرمضانية المباركة بحول الله تعالى.