شهد العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حملة غير مسبوقة في تطاول بعض منابر الإعلام الغربية على الرموز والمقدسات الإسلامية، نتج عنها تصاعد في حملة الإساءة للمسلمين وحض على الكراهية الدينية تجاههم في الغرب على وجه الخصوص، كما هدد ذلك الاستقرار والسلم الدوليين. وقد دفع ذلك الامر الامين العام لمنظمة الأمم المتحدة إلى إصدار بيان بتاريخ 2 فبراير 2006 صرح فيه بقلقه إزاء الجدل الذي أفرزه نشر الرسوم الكاريكاتورية من لدن الصحف الدنماركية، وأكد بأنه يؤمن بأن حرية الصحافة يجب أن تمارس بطريقة تحترم المعتقدات الدينية. كان ذلك في وقت تنصلت فيه الجهات التي انطلقت منها تلك الإساءات من مسؤوليتها تجاه تلك الإساءات بدعوى حرية الرأي والتعبير وتعذر ممارسة أية رقابة على وسائل الإعلام.
والجدير بالذكر أن المواثيق الدولية قد قيدت الحق في حرية التعبير بعدم التعدي على حقوق الغير، فالفصل التاسع عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في ديسمبر 1966 ينص أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها" لكنه يستتبع ما نص عليه من حقوق بواجبات ومسؤوليات خاصة، حيث تصبح الحقوق خاضعة لبعض القيود المحددة بالقانون وذلك لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. بينما نصت المادة العشرون من نفس العهد، على حظر كل دعاية للحرب، و كل دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. وقد توالت القرارات في هذا الشأن.
وأكد قرار مناهضة تشويه صورة الأديان الصادر عن مجلس حقوق الإنسان (الدورة العاشرة) أن تشويه صورة الأديان يشكل إهانة بالغة لكرامة الإنسان تفضي إلى تقييد الحرية الدينية لمعتنقيها وإلى التحريض على الكراهية والعنف الدينيين. ولاحظ المجلس بقلق بالغ اشتداد حملة تشويه صورة الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عموماً، بما في ذلك التصنيف العرقي والديني للأقليات المسلمة في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م، كما سَلَّم بأن تشويه صورة الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عموماً أصبحا، في سياق مكافحة الإرهاب، عاملين يساهمان في تفاقم حرمان أفراد المجموعات المستُهدَفة من حقوقهم وحرياتهم الأساسية واستبعادهم اقتصادياً واجتماعياً. وقد أعرب عن استيائه من استخدام وسائط الإعلام المطبوعة والسمعية البصرية والإلكترونية، بما فيها الإنترنت، وأي وسيلة أخرى للتحريض على أعمال العنف أو كره الأجانب أو ما يتصل بذلك من تعصب و تمييز ضد أي دين، وكذلك استهداف الرموز والشخصيات الدينية. وبالرغم من ذلك تنامت موجة حملة التخويف من الإسلام ومحاربة الرموز الدينية الإسلامية بذرائع متنوعة وفي بقاع عديدة من العالم.
لقد دعا الإسلام إلى عدم التعرض إلى رموز الأديان الأخرى يقول الله عز وجل في سورة الأنعام، الآية 108:" لاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ "، فسب رموز المخالفين في المعتقد يُحمي غيظهم وينمي أحقادهم وينذر بصراع يحول دون إبلاغهم رسالة الإسلام بالقول اللين الحسن والدليل الواضح. وقد احتضن العالم الإسلامي أهل الأديان الأخرى وكفل حقها في العبادة كما حمى مؤسساتها قرونا عديدة، لكنه اليوم يواجه انتقادات شديدة ، كما صارت رموزه موضوع سخرية الساخرين وإساءات المسيئين.
فما السبيل إلى إقناع دول العالم بسن نص صريح في تجريم الإساءة إلى الأديان؟، وما هي المستندات الشرعية الإسلامية التي يمكن للمسلمين أن يؤسسوا عليها مقترحهم في ذلك الشأن؟